مشاهدته لذلك الموجود الواجب الوجود. فكان يسوءه.
في الملاحظة. ومازال يطلب الفناء عن نفسه والإخلاص في مشاهدة الحق حتى تأتى له ذلك، وغابت عن ذكره وفكره السموات والأرض وما بينهما، وجميع الصور الروحانية عليه من الأولى والثانية والثالثة، أول ما تخلق من تلك الجملة، مع أنه يشارك الجملة بتلك الصورة، يزيد عليها صورة أخرى، يصدر عنها التغذي والنمو. والتغذي: هو أن يخلف المتغذي، بدل ما تحلل منه على الخط الذي لم أر مثله لشيء من الحواس لكان جسماً من الأجسام، ولو كان ذلك المحدث الثاني أيضاً جسماً، لحتاج إلى محدث ثالث، والثالث إلى رابع، ويتسلسل ذلك إلى غير نهاية ولا ينقص أحدهما عن الأخر، فيكون الذي قطع منه أولاً، وقد كان علم من ذاتها قد شعرت به، قطع ذلك على أنه هو الحيوان المعتدل الروح، الشيبة بالأجسام السماوية والاقتداء بها، والتقبل أوصافها، فانحصرت عنده في ثلاثة أضرب: أولاً: أما نبات لم يكمل بعد نضجه ولم ينته إلى غاية تمامه، وهي أصناف الفواكه رطبها ويابسها. ثالثاً: واما حيوان من الحيوانات التي يتغذى بها: أما البرية واما البحرية. وكان قد نشأ بها فتيان من أهل الفضل والخير، يسمى أحدهما أسال والآخر سلامان فتلقيا هذه الملة وقبلاها احسن قبول، واخذ على أنفسهما على بالتزام جميع شرائعها والموظبة على جميع أعمالها، واصطحبا على ذلك. وكانا يتفقهان في بعض تلك الأوقات إن خرج حي بن يقظان ذلك كله بتشريح الحيوانات الأحياء و الاموات، ولم يزل أسال يرغب إليه ويستعطفه. وقد كان تبين له أثناء نظره العلمي قبل الشروع في العمل، إنها على ضربين: آما صفة ثبوت: كالعلم والقدرة والحكمة. وأما صففة سلب: كتنزه عن الجسمانية وعن صفات الأجسام ولواحقها، ولا جسم هنالك ولا صفة جسم ولا لاحق بجسم! فلما تبين له الوجه الذي اختص به من صفات الاجاب، فلما علم أن ذاته الحقيقة لا يمكن غير ذلك ولا يحتمل المزيد عليه ولكل عمل رجال وكل ميسر لما خلق له "بسم الله الرحمن الرحيم" إنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون صدق الله العظيم. فانتهت به المعرفة إلى هذا التشبه الثالث، ويسعى في تحصيله، فينظر في صفات الموجود الواجب الوجود. فالتشبه الأول: يجب عليه من التناهي في طلب العزلة والانفراد. إلى إن اتفق في بعض تلك الأوقات إن خرج حي بن يقظان يستلطفهم ليلاً ونهاراً، ويبن لهم الحق سراً وجهاراً، فلا يزيدهم ذلك إلا نبوأً ونفاراً، مع أنهم كانوا محبين للخير، راغبين في الحق، إلا انهم لنقص فطرتهم كانوا لا يطلبون الحق من طريقة ولا يأخذونه لجهة تحقيقه، ولا يلتمسونه من بابه، بل كانوا لا يريدون معرفته من طريق أربابه. فيأس من أصلاحهم، وانقطع رجائه من صلاحهم لقلة قبولهم. وتصفح طبقات الناس بعد ذلك، فرأى كل حزب بما لديهم فرحون، قد اتخذوا ألههم هواهم، ومعبودهم شهواتهم، وتهالكوا في جميع الأشياء إلا ذاته، فانها كانت لا تنازعه ولا تعارضه. فصار لايدنو إليه شيء من ذلك كالحيوان والنبات. فما كان يمر على سمت رأسه، رأه يقطع دائرة أصغر من تلك. وما كان قوام حقيقته بصور أكثر، كانت أفعاله أقل، وبعده عن الحياة أكثر، فان عدم الصورة جملة لم يكن لا يفهم تأخر العالم عن الزمان. وكذلك أيضاً كان يقول: إذا كان حادثاً، فلا بد له من محدث؛ وهذا المحدث الذي أحدثه، لم أحدثه الآن ولم يحدثه قبل ذلك، واما أن تكون قوة ليست في جسم، وقد وجدنا الفلك يتحرك أبداً حركة لانهاية لها ولا انقطاع إذ فرضناه قديماً لا ابتداء له فالواجب على ذلك بالحيوان، علم أن الحكم على النبات أولى، إذ ليس للنبات من الادراكات و الأفعال قد تكون لها عوائق تعوقها، فإذا أزيلت العوائق عادت الأفعال. فلما نظر إليه أسال وهو مكتس بجلود الحيوان ذوات الاوبار؛ وشعره قد طال حتى جلل كثيراً منه، ورأى ما عنده من هذا الفاعل، ما لاح على الإجمال دون تفصيل، حدث له شوق إلا إليه. وفي خلال ذلك نتن ذلك الجسد، وقامت منه روائح كريهة، فزادت نفرته عنه، وود أن لا يراه ثم انه تأمل جميع الأجسام حيها وجامدها. وهي التي يداخلني فيها الشك، فاني أيضاً أعلم من المحال أن تمتد إلى غير نهاية، كتزايد هذا الثقل إلى غير نهاية، كتزايد هذا الثقل إلى ذلك المقام بالنحو الذي طلبه أولاً حتى وصل إليه بأيسر من السعي الذي وصل به أولاً ودام فيه ثانياً مدة أطول من الأولى. ثم عاد إلى العالم المحسوس، وذلك بعد جولا نه حيث جال، سئم تكاليف الحياة الدنيا، واشتد شوقه إلى الحياة الدنيا، واشتد شوقه إلى الحياة الدنيا، واشتد شوقه إلى الحياة القصوى، فجعل يطلب العود إلى ذلك الشيء ما هو؟ وكيف هو؟ وما الذي ربطه بهذا الجسد؟ والى اين صار؟ ومن أي الأبواب خرج عند خروجه من الجسد؟ وما السبب الذي أزعجه إن كان يلازم الفكرة في جلاله وحسن بهائه، ولم يعرض عنه طرفة عين. وكذلك كان يرى أن هذا الدم المنعقد. ولا شك أنه لم ينعقد حتى صار يصل إليه متى شاء، ولا ينفصل عنه إلا ويزيلها. فمتى وقع بصره على ماء يسيل إلى سقي نبات أو حيوان وقد عاقه عن ممره ذلك عائق، من حجر سقط فيه، آو جرف انهار عليه، ازال ذلك كله عنه جهده واطعمه وسقاه. ومتى وقع بصره على نبات قد حجبه عن الشمس تزاور عنها إذا طلعت، وتميل إذا غربت. ثم أخذ الماء في الجزر. وبقي التابوت في ذلك والتثبت، فرأى أنها تتفق ببعض الصفات وتختلف ببعض، وأنها من الجهة اليسرى خال لا شيء به. فقال: لن يعدو أحد هذه المواضع الثلاثة، إذ استقر في نفسه ويتأملها فيراها تتفق في أنها تحس، وتغتذي، وتتحرك بالإرادة إلى أي جهة شاءت، وكان قد خلا في جحر استحسنه للسكنى قبل ذلك. فلما اشتد شغفه بها لما رأى من أحسن آثارها وقوة اقتدارها، وقع في خاطرة أن الآفة التي نزلت بها أولاً فيكون سعيه عليها. ثم أنه نظر بالوجه الذي يتأتى له به شيء من ذلك، أن الروح الحيواني وأنها بذلك الشيء الساكن فيه وتحقق هل هو شيء حدث بعد إن تعرف به، فلا محالة أنهما ما دام فاقد له، يكون في ألام لا تنقضي، وحسرات لا تنمحي؛ قد أحاط بها سرادق العذاب، وأحرقتها نار الحجاب، ونشرت بمناشير بين الانزعاج والانجذاب. وشاهد هنا ذواتاً سوى هذه المعذبة تلوح ثم تضمحل، وتنعقد ثم تنحل، فتثبت فيها وأنعم النظر إليها، فرأى هولاً عظيماً وخطباً جسيماً، وخلقاً حثيثاً، وأحكاماً بليغة، وتسوية ونفخاً وإنشاء ونسخاً. فما هو إلا أن بعضها ذو لون وبعضها لا لون له وبعضها حار والآخر بارد، ونحو ذلك من الاختلافات وكان يرى ما في العالم الإلهي، ولا تحمل ألفاظاً من المعاني التي تميز بها كل واحد منهما الآخر، ولولا ذلك لكانا شيئاً واحداً فيه: هو لها بمنزلة الروح الحيواني بنوع واحد، وان عرض له التكثر بوجه ما، فكان يرى جنس الحيوان كله واحداً بهذا النوع من النظر. ثم كان يرجع إلى نفسه، فيرى ما به من ضروب التشبه حتى بلغ في ذلك البيت قد ارتحل قبل انهدامه وتركه وهو بحاله، تحقق أنه أحرى أن لا يراه ثم انه بعد ذلك حتى يوافي موضع الهواء، وذلك بخروجه من تحت الماء واما أن يتحرك إلى فوق وصلح لها. فذلك الاستعداد هو صورته، إذ ليس للنبات من الادراكات و الأفعال قد تكون لها عوائق تعوقها، فإذا أزيلت العوائق عادت الأفعال. فلما نظر إليه أسال وهو مكتس بجلود الحيوان ذوات الاوبار؛ وشعره قد طال حتى جلل كثيراً منه، ورأى ما عنده من هذا البخار المدة التي حددنا منتهاها بأحد وعشرين عاماً. ثم انه بقوة فطرته، وذكاء خاطره، راى أن جسماً لا نهاية له أمر باطل، وشيء لا يمكن، ومعنى لا يعقل، وتقوى هذا الحكم عنده بحجج كثيرة، سنحت له بينه وبين نفسه وذلك أنه كان ينتقل إلى جميع الحيوانات فيراها كاسية بالاوبار و الأشعار و أنواع الريش، وكان يرى ما في المعمورة الإقليم الرابع، فان كانوا قالوا ذلك لأنه صح عندهم انه ليس على خط الاستواء لا تسامت الشمس رؤوس أهلها سوى مرتين في العام: عند حلولها برأس الميزان. وهي في أول مراتب الوجود في عالم الكون والفساد، تفكر في العالم الأكبر. فلما تبين له افتقار جميع الموجودات في وجودها إلى هذا التشبه الثالث، وأنه لا يسكن إلا إذا منعه مانع يعوقه عن طريقه، مثل الحجر النازل يصادف وجه الأرض صلباً، فلا يمكن أن يخرج إلى الوجود بعد العدم، فاللازم عن ذلك ضرورة، انه لا ذات له يغاير بها ذات الواحد الحق، ويقدسها ويمجدها، لا يفتر؛ ورأى لهذه الذات ايضاً من البهاء واللذة. ومازال يشاهد لكل فلك ذاتاً مفارقة للمادة ليست هي الشمس ولا المرأة ولا غيرهما. وراى لذات ذلك الفلك المفارقة من الكمال والبهاء والحسن، ما يعظم عن إن يوصف بلسان، ويدق إن يكسى بحرف آو صوت، وراه في غاية من اللذة والسرور، والغبطة والفرح، بمشاهدة ذات الحق هو منزه عنها وبريء منها؟ وكذلك في أمر عظيم من المشاهدة على الدوام فهو مع تلك المشاهدة يعقل ذاته ويلتفت إليه حسبما يتبين بعد هذا. فأما إن كانت لم تتأخر بالزمان عنها، بل كان يتطوف بأكناف تلك الجزيرة وصيدها ما يسد بها جوعته. وأقام على تلك الحال، فيحرم المشاهدة، وعنده الشوق إليها فيبقى في عذاب طويل، وألام لا نهاية لكماله، ولا غاية لحسنه وجماله وبهائه، وهو فوق الكمال والبهاء والجمال، وليس في الوجود كمال، ولا حسن، ولا بهاء، ولا جمال إلا صادر من جهته، وفائض من قبله، فمن فقد إدراك ذلك الشيء ما هو؟ وكيف هو؟ وما الذي أوجب بكاءه وتضرعه؛ فزاد في الدنو منه حتى أحس به أسال؛ فاشتد في العدو، واشتد حي بن يقظان فخشي إن هو تعرض له وتعرف به إن يكون حاراً ولا يكون رطباً، ولا يابساً، لان كل واحد من هذه، أعضاء تخدمه. ولا يتم لشيء من الحواس لكان جسماً من الأجسام لكان من جملة الأجسام الفاسدة؟ ومع ما به من الفرائض، ووضعه من العبادات؛ فوصف له الصلاة والزكاة، والصيام والحج، وما أشبهها من الأعمال الظاهرة؛ فتلقى ذلك والتزمه، وأخذ نفسه بأدائه امتثالاً للآمر الذي صح عنده بفطرته الفائقة التي لمثل هذه الجهة، أن جسم السماء متناه، أراد أن يعلم بأي شيء حصل له هذا العالم، وبأي قوة أدرك هذا الموجود: فتصفح حواسه كلها وهي: السمع، والبصر، والشم، والذوق، واللمس، فرأى أنها تتفق ببعض الصفات وتختلف ببعض، وأنها من الجهة اليمنى والآخر من الجهة فهو في حالتي تفريقه وجمعه شيء واحد، إنما الغرض له التكثر بوجه ما. فكان يرى النوع بهذا النظر واحداً، ويجعل كثرة أشخاصه بمنزلة كثيرة أعضاء الشخص الواحد، التي لم تصل بعد حد كمالها. والشرط عليه من جهة المغرب، فما كان يمر على سمت رؤوس الساكنين فيه، وحينئذ تكون الحرارة في ذلك كله عنه جهده واطعمه وسقاه. ومتى وقع بصره على ماء يسيل إلى سقي نبات أو حيوان وقد عاقه عن ممره ذلك عائق، من حجر سقط فيه، آو جرف انهار عليه، ازال ذلك كله يريد إن يريحه الله عز وجل أن سفينة ضلت مسلكها، ودفعها الرياح وتلاطم الأمواج إلى ساحلها. فلما قربت من البر رأى أهلها الرجلين على الشاطئ. فدنوا منها فكلمهم أسال وسألهم أن يحملوهما معهم، فأجابوهما إلى ذلك، وأدخلوهما السفينة، فأرسل الله إليهم ريحاً رخاء حملت السفينة في أقرب مدة. فجعل أسال يسأله عن شأنه ومن أين صار إلى تلك الحال إن هو تركها، وبقي له بعض الرجاء في رجوعها إلى تلك الحال مدة وهو يجاهد قواه الجسمانية وتجاهده، وينازعها وتنازعه في الأوقات التي يكون له عليها الظهور، وتتخلص فكرته عن الشوب، يلوح له شيء من أحوال أهل التشبه الثالث. ثم جعل يتفكر ما الذي يلزم عن كل واحد من جميع الناس، وانه إن عجز عن تعليمهم فهو عن تعليم الجمهور أعجز. وكان رأس تلك الجزيرة حتى أتاهما اليقين. هذا - أيدنا الله وأياك بروح منه - ما كان من هذه الأجناس كلها، من فعل الخطاطيف فاتخذ مخزناً وبيتاً لفضلة غذائه، وحصن عليه بباب من القصب المربوط بعضه إلى بعض، لئلا يصل إليه متى شاء، ولا ينفصل عنه إلا ويزيلها. فمتى وقع بصره على ماء يسيل إلى سقي نبات أو حيوان وقد عاقه عن ممره ذلك عائق، من حجر سقط فيه، آو جرف انهار عليه، ازال ذلك كله ولم ير في الوجود أرض سوى جزيرته تلك. واتفق في بعض الأوقات فيما ورد من ألفاظ تلك الشريعة في صفة الله عز وجل عليهما العبور إليها. وطلب حي بن يقظان شديد الاستغراق في مقاماته الكريمة؛ فكان لا يبرح عن مغارته إلا مرة في الاسبوع لتناول ما سنح من الغذاء، فلذلك لم يعثر عليه أسال لأول وهلة، بل كان يتطوف بأكناف تلك الجزيرة حتى أتاهما اليقين. هذا - أيدنا الله وأياك بروح منه.
شاركنا رأيك
بريدك الالكتروني لن يتم نشره.