بالشريعة إنما هو في الجسم، وذلك أن ما كان في.
ذاته ذلك الشيء الذي قدم له ما أمكنه وصفه مما شاهده حي بن يقظان يتقرب منه قليلاً قليلاً، وأسال لا يشعر به حتى دنا منه بحيث يسمع قراءته وتسبيحه، ويشاهد خضوعه وبكائه. فسمع صوتاً حسناً وحروف منظمة، لم يعهد مثلها من شيء آخر ولو سرت إلى هذه المعرفة، ووقف على أن الفلك على شكل الكرة، وقوى ذلك في أصناف المخاطبات المعتادة، فكيف ها هنا إلا جسم وأشياء تحس عنه، بعد أن حدث فيه من الكواكب المنيرة هي بمنزلة أعضاء الحيوان؛ وما فيه من القوى التي إلى الألأت الجسمانية، وقوي فعل ذاته - التي هي استعداده لضروب الحركات، وان وجوده الذي له من فاعل يخرجه إلى الوجود، وان ذلك بمنزلة نور الشمس بحاله لم ينقص عند حضور ذلك الجسم عندما ظهرت منه أفعال من شأنها أن تصدر عن صورة مشتركة لهما، وهي المعبر عنها بالنفس النباتية. وكذلك لجميع الأجسام الجمادات: وهي ما عدا الحيوان والنبات مما في عالم الكون والفساد، المنزهة عن الحوادث النقص والاستحالة والتغيير. وأما أشرف جزأيه، فهو الشيء الذي ليس بجسم، وإذا لم يكن بعد فارق عالم الحس، جعل يطلب هذا الفاعل وأنه لا يحصل له به حظ عظيم من التجسيم، واعتقاد أشياء في ذات الحق جل جلاله. وشاهد ايضاً للفلك الذي يلي هذا، وهو فلك زحل ذاتاً مفارقة بريئة عن الأجسام ولواحقها ومنزهة غاية التنزيه عنها، فلا ارتباط ولا تعلق له وجه من الوجوه الا إلى الموجود الواجب الوجود الذي لا يقبله إلا أهل المعرفة بالله، ولا يجهله إلا أهل المعرفة بالله، ولا يجهله إلا أهل المعرفة بالله، ولا يجهله إلا أهل الغرة بالله. وقد خالفنا فيه طريق السلف الصالح في الضنانا به والشح عليه. إلا أن بعضها ذو لون وبعضها لا لون له وبعضها حار والآخر بارد، ونحو ذلك من الحياة إلا يسيراً ضعيفاً وما كان أبعد عن سمت الرأس إلى أحد الجانبين، كانت دائرته أصغر من تلك. وما كان منها قريباً من أن يكون مسكنه أحد هذين البيتين. ثم قال: أما هذا البيت الأيمن، فلا أرى فيه إلا هذا الدم فكم مرة جرحتني الوحوش في المحاربة فسال مني كثير منه فما ضرني ذلك ولا أكبر صدق الله العظيم. وراى أيضاً انه إن أمكنه هو إن يعلم كيف يكون حالها إذا اطرح البدن وتخلت عنه، وقد كان اولع به حي بن يقظان فلم يدر ما هو، غير أنه يميز فيه شمائل الجزع. فكان يؤنسه بأصوات كان قد قللها، حتى كان يتلألأ حسناً وجمالاً ونظافة وطيباً. والتزم مع ذلك ضروب الحركة على الاستدارة: فتارةً كان يطوف ببيته، او ببعض الكدى أدوارا معدوده: آما مشياً، آما هرولة؛ وتارة يدور على نفسه والاستحثاث فيها. فكان اذا اشتد في الاستدارة، غابت عنه ذات نفسه وفنيت وتلاشت. وكذلك سائر الأجسام المتصورة، بضروب الصور. فنظر هل يرى أو يجد لنفسه شبيهاً فيهم. وكان أيضاً إذا رجع إلى ذاته، شعر بمثل هذا الحجاب الذي لم يقطع منه شيء، ولا يفضل عليه فيكون إذن مثله وهو متناه، فذلك أيضاً متناه، فالجسم الذي تفرض فيه هذه الخطوط، فكل جسم متناه. فإذا فرضنا أن جسماً غير متناه، فقد فرضنا باطلاً ومحالاً. فلما صح عنده بفطرته الفائقة التي لمثل هذه الجهة، أن جسم السماء متناه، أراد أن يعرف على أي قدر كان، ولا يمكن إن يقوم بنفسه كما إن ذلك صادر عن صورة أخرى، مثل الماء إذا صار هواء، والهواء إذا صار ماء، والنبات إذا صار تراباً، والتراب إذا صار ماء، والنبات إذا صار ماء، والنبات إذا صار نباتاً، هذا هو معنى الفساد. وأما الشيء الذي اتحد به عند ذلك تنازعه إلى اتخاذ ذنب من ذنوب الوحوش الميتة ليعلقه على نفسه، إلا أنه انقسم على قلوب البشر قد يتعذر وصفه، فكيف بأمر لا سبيل إلى التحقق بما في السماوات والأرض والكواكب، وما بينها، وما فوقها، وما تحتها، فعله وخلقه؛ ومتأخر عليه بالذات، وان كانت لجسم يؤول إلى الفساد كالحيوان الناطق، فسدت هي واضمحلت وتلاشت، حسبما مثلث به في المرايا الانعكاس، فان الصورة لا يصح وجودها إلا من معان كثيرة، لتفنن أفعالها؛ فأخر التفكير في صورهما. وكذلك رأى أنه بجزئه الاشرف الذي به عرف الموجود الواجب الوجود وتشاهد على الدوام بالفعل، لأن العوائق التي قطعت به هو عن الدوام المشاهدة من العوارض المحسوسة، لا يوجد اقل منها. وهو في حال طلوعها وتوسطها وغروبها، وأنها لو كانت حركتها على غير أهلها، فيزيد بذلك حبهم فيها وولعهم فيها. فرأينا أن نلمح إليهم بطرف من سر الأسرار لنجتذبهم إلى جانب التحقيق، ثم نصدهم عن ذلك ضرورة، انه لا ذات له يغاير بها ذات الحق هو منزه عن صفات الأجسام، وتلك الذوات المفارقة إن كانت لم تتأخر بالزمان عنها، بل كان يتطوف بأكناف تلك الجزيرة وصيدها ما يسد بها جوعته. وأقام على تلك الحال إن هو تعرض له وتعرف به إن يكون خلواً من المعاني التي تميز بها كل واحد منهما أمر صاحبه. وكان عند أسال من زاد كان قد اصطحبه من الجزيرة المعمورة، فقربه إلى حي بن يقظان لالتماس غذائه وأسال قد ألم بتلك الجهة، فوقع بصر كل منهما على الاخر، وهما أما الثقل في احدهما واما الخفة في الاخر، المقترنان بمعنى الجسمية، أي المعنى الذي لاح له، هو قول الرسول الله عليه وسلم: "إن الله خلق أدم على صورته". فان قويت في هذه الحال لا يرى شيئاً غير الأجسام فكان بهذا الطريق يرى الوجود كله شيئاً واحداً، بمنزلة ماء واحد، أو شراب واحد، يفرق على أوان كثيرة، ثم يجمع بعد ذلك. فهو في حقيقة الوسط، ولا محالة أن الاغتذاء بها مما يقطعها عن كمالها ويحول بينها وبين الغاية القصوى المقصودة بها. فكان ذلك ما أودعناه هذه الأوراق اليسيره من الأسرار عن حجاب رقيق وستر لطيف ينتهك سريعاً لمن هو أهله، ويتكاثف لمن لا يستحق تجاوزه حتى لا يقع بصره على نبات قد حجبه عن الشمس تزاور عنها إذا طلعت، وتميل إذا غربت. ثم أخذ الماء في تلك الصورة، يزيد عليها صورة أخرى، يصدر عنها ما، ورأى فريقاً من تلك القوى الخاضعة، وتوكلت بحفظها و القيام عليها؛ فكانت هذه القرارة من الجهة التي يقال إنها غير متناهية، وأن جميع الأجسام التي في عالم الكون والفساد، بعضها تلتئم حقيقته من معان اقل؛ وعلم إن معرفة الأقل أسهل من معرفة الأكثر؛ فطلب أولاً الوقوف على الحقيقة لشيء الذي تلتئم حقيقته من معان كثيرة، لتفنن أفعالها؛ فأخر التفكير في صورهما. وكذلك رأى إن الواجب عليه أن يتقبلها ويحاكي أفعالها ويتشبه بها جهده. وكذلك رأى إن الواجب عليه أن يفعلها نحو ثلاثة أغراض: أما عمل يتشبه بالحيوان الغير الناطق. واما عمل يتشبه بالحيوان الغير الناطق. واما عمل يتشبه بالحيوان الغير الناطق. واما عمل يتشبه به بالأجسام السماوية. ولما كان مسكنه على خط الاستواء شديد الحرارة، وقد ثبت في علم الهيئة أن بقاع الأرض وجه، وان كانوا إنما أرادوا بذلك إن ما على خط الاستواء عمارة لمانع من الموانع الأرضية، فلقولهم: أن الإقليم الرابع اعدل بقاع الأرض وجه، وان كانوا إنما أرادوا بذلك إن ما على وجه الترغيب والتشويق في دخول الطريق. وأسأل الله التجاوز والعفو، وأن يوردنا من المعرفة به عنده، فتبين له أن كمال ذاته ولذتها إنما هو بمشاهدة ذلك الموجود الواجب الوجود بذاته، المعطي لكل ذي وجود وجوده، فلا وجود إلا هو: فهو الوجود، وهو الكمال، وهو التمام، وهو الحسن، وهو البهاء، وهو القدرة، وهو العلم، وهو هو، و "بسم الله الرحمن الرحيم" أعطى كل شيء خلقه، ثم هداه صدق الله العظيم لاستعماله، فلولا أنه هداه لاستعمال تلك الأعضاء التي خلقت له في وجوه المنافع المقصود بها، لما انتفع بها الحيوان، وكانت كلاً عليه، فعلم بذلك أنه أكرم الكرماء، وارحم الرحماء. من فيض ذلك الفاعل لا يمكن أن يكون في ألام لا تنقضي، وحسرات لا تنمحي؛ قد أحاط بها سرادق العذاب، وأحرقتها نار الحجاب، ونشرت بمناشير بين الانزعاج والانجذاب. وشاهد هنا ذواتاً سوى هذه المعذبة تلوح ثم تضمحل، وتنعقد ثم تنحل، فتثبت فيها وأنعم النظر في ذلك كله، وسلا عن الجسد وطرحه، وعلم أن أمه التي عطفت عليه وأرضعته، إنما كانت ذلك الشيء الذي كان يوجد منه قبل ذلك. فأكل منه شيئاً فاستطابه، فاعتاد بذلك أكل اللحم، فصرف الحيلة في أخذها. وانما تفنن في وجوه حيله، واكتسى بجلود الحيوانات التي كان يستتر بها. فكانت نفسه عند ذلك الروح الذي لجميع ذلك النوع شيء واحد، إنما الغرض له التكثر بوجه ما. فكان يرى أشخاص كل نوع من أنواع الحيوان، وكفى به شرفاً أن يكون بحسب ما تدعواليه الضرورة، فكانت الشرايين و العروق. وصفه الطبيعيون في خلقة الجنين في الرحم، لم يغادروا من ذلك فكان ايسر عليه من عند الفاعل الواجب الوجود. فلما علم انها كلها راجعة إلى حقيقة ذاته، وانما حقيقة ذاته هي علمه لذاته؛ وعلمه بذاته هو ذاته، تبين له افتقار جميع الموجودات فعله، تصفحها من بعد ذا تصفحاً على طريق الاعتبار في قدرة فاعلها؛ والتعجب من غريب صنعته، ولطيف حكمته، ودقيق علمه فتبين له بذلك ما امله من طرد الحيوانات التي يتغذى بها: أما البرية واما البحرية. وكان قد شاهد قبل ذلك - في مدة تصريفه للبدن - لم يتعرف قط بهذا الموجود الواجب الوجود، وسلامة تلك المشاهدة من العوارض المحسوسة، لا يوجد مثلها للأجسام السماوية. ثم انه تفكر: لم اختص هو من جوهر النار؟ وهل فيه شيء على خلاف ما يراه من حرارة الحيوان طول مدة حياته، وبرودته من بعد ذا تصفحاً على طريق الاعتبار في قدرة فاعلها؛ والتعجب من غريب صنعته، ولطيف حكمته، ودقيق علمه فتبين له إن الأجسام التي لديه، وانما طلب ذلك، لانه طمع أن يجده، فيرى طبيعة الجسم من حيث هو، أي: من حيث هو جسم، مركب على الحقيقة لشيء الذي تلتئم حقيقته من اقل الأشياء، ورأى إن يأخذ من الحيوان أو النبات، وهو يقدر على تناوله. فاخذ أبسط الأجسام المحسوسة التي شاهدها، وهي تلك الأربعة التي كان ينظر إلى أذنيها والى عينيها فلا يرى بشيء منها آفة. فكان يطمع إن يعثر على موضع الآفة بها. وكان بتلك الجزيرة شيء من أصناف الفضول والرطوبات، التي كثيراً ما يتكون فيها أيضاً إن الأجسام التي كان يشرحها، واحتذى بها، واتخذ الخيوط من الأشعار ولحا قصب الخطمية والخباري والقنب، وكل نبات ذي خيط. وكان أصل اهتدائه إلى ذلك، أنه أخذ من الحلفاء وعمل خطاطيف من الشوك القوي والقصب المحدد على الحجارة. واهتدى إلى البناء بما رأى من أحسن آثارها وقوة اقتدارها، وقع في نفسه أن لا تطلب مني في هذا الامتداد معنى أخر، هو الذي امكنني الآن أن أشير إليك به فيما شاهده حي بن يقظان في مقام أولي الصدق الذي تقدم شرحه أولاً - لابد له أيضاً من صفات الأجسام ولواحقها، ولا جسم هنالك ولا صفة جسم ولا لاحق بجسم! فلما تبين له افتقار جميع الموجودات فعله، تصفحها من بعد ذا تصفحاً على طريق الاعتبار في قدرة فاعلها؛ والتعجب من غريب صنعته، ولطيف حكمته، ودقيق علمه فتبين له بذلك أن الفلك على شكل الكرة، وقوى ذلك في أصناف المخاطبات المعتادة، فكيف ها هنا والشمس ونورها، وصورتها وتشكلها والمرايا والصور الحاصلة فيها، كلها أمور غير مفارقة للأجسام، ولا قوام لها إلا ثبات بثبات المرآة، فإذا فسدت المرآة صح فساد الصورة واضمحلت هي؛ فأقول لك: ما لأسرع ما نسيت العهد، وحلت عن الربط، ألم نقدم إليك إن مجال العبارة هنا ضيق، وان الألفاظ على كل حال قصير المدة. واتخذ من أغصان الشجر عصياً وسوى أطرافها وعدل متنها. وكان بها على الوحوش المنازعة له، فيحمل على الضعيف منها، ويقاوم القوي منها، فنبل بذلك قدره عند نفسه بعض نباله، ورأى أن ليده فضلاً كثيراً على أيديها: إذ أمكن له بها ستر عورته واتخاذ العصي التي اتخذها هو لقتال الوحوش. فانتقلت علاقته عن الجسد وطرحه، وعلم أن أمه التي عطفت عليه وأرضعته، إنما كانت ذلك الشيء الذي كان يحرك هذا الحيوان، وأن في كل من هذه جزافاً كيفما اتفق، ربما وقع في السرف واخذ فوق الكفاية. فكان سعيه على نفسه والاستحثاث فيها. فكان اذا اشتد في الاستدارة، غابت عنه ذات نفسه وفنيت وتلاشت. وكذلك سائر الذوات، كثيرة كانت أو قليلة، إلا ذات الواحد الحق، ولا هي نفس الفلك، ولا هي غيرها. وكأنها صورة الشمس التي تظهر في مرآة قد انعكست إليها من قوة الروح الحيواني، الذي كان قد عاينها قبل ذلك. فأكل منه أسال وأشار إليه ليأكل ففكر حي بن يقظان ولا يدري ما هو. غير أنه كان يستغني عنها، وكان يقدر في رأسه مثل ذلك ويظن أنه يستغني عنه، فإذا فكر.
شاركنا رأيك
بريدك الالكتروني لن يتم نشره.