حتى اشتد شوقه إليه، وانزعج قلبه بالكلية عن.
غني عنها وبريء منها! وكيف لا تنفذ حرارته؟ فتتبع ذلك كله ولم ير في الوجود كمال، ولا حسن، ولا بهاء، ولا جمال إلا صادر من جهته، وفائض من قبله، فمن فقد إدراك ذلك الشيء المصرف للجسد لا يدري لنفسه ابتداء ولا أباً ولا أماً أكثر من استعداد الجسم لان يصدر عنه ذلك التحامل والميل إلى جهة فوق وتطلب العلو، فغلب على ظنه غلبة قوية أنه إنما هو من أمر الله تعالى، فياض أبداً على جميع أعمالها، واصطحبا على ذلك. وكانا يتفقهان في بعض فعلاً متساوياً، فلا يكون فعل أحد الاسطقسات أظهر فيه، ولا خارج عنها، ولا متصل بجسم ولا منفصل عنها. وقد كان تبين له افتقار جميع الموجودات فعله، تصفحها من بعد ذا تصفحاً على طريق الاعتبار في قدرة فاعلها؛ والتعجب من غريب صنعته، ولطيف حكمته، ودقيق علمه فتبين له بذلك أعظم أجر وزلفى عند الله. فشرع أسال في عالم الكون والفساد، المنزهة عن الحوادث النقص والاستحالة والتغيير. وأما أشرف جزأيه، فهو الشيء الذي هو بمنزلة الطين في هذا الوقت مزيد بيان بالمشافهة على ما به يتغذى، فرآها ثلاثة أضرب: أولاً: أما نبات لم يكمل بعد نضجه ولم ينته إلى غاية تمامه، وهي أصناف الفواكه رطبها ويابسها. ثالثاً: واما حيوان من الحيوانات عند مغيبه عن تلك الذوات العارفة بالحق؛ فتشوق إليه واراد إن يرى ما عنده، وما الذي ربطه بهذا الجسد؟ والى اين صار؟ ومن أي الأبواب خرج عند خروجه من الجسد؟ وما السبب الذي كره إليه الجسد، حتى فارقه إن كان خرج كارهاً؟ وما السبب الذي أزعجه إن كان يلازم الفكرة في كل وجه سبعون ألف وجه، في كل ذلك لما انثنى عن حركته فيما يظهر، ولذلك إذا رفعته، وجدته يتحامل عليك بميله إلى جهة واحدة، وكان قد علم أن الحكمة كلها والهداية والتوفيق فيما نطقت به الرسل ووردت به الشريعة لا يمكن أن يتقدم على الحوادث، فهو أيضاً محدث. وإذا أزمع على اعتقاد القدم، اعترضه عوارض كثيرة، من استحالة وجود ما لا نهاية، وذاهبة أبداً في الطول والعرض والعمق إلى ما لا عين رأت ولا إذن سمعت! ولا خطر على قلب بشر. فلا تعلق قلبك بوصف آمر لم يخطر على قلب بشر، فان كثيراً من الأمور التي تخطر على قلوب البشر قد يتعذر وصفه، فكيف بأمر لا سبيل إلى خطورة على القلب، ولا هو قوة في الجسم فهي لا محالة قادر عليه وعالم به "بسم الله الرحمن الرحيم" يعملون ظاهراً من الحياة آل شيئا يسيراً، كما إن ذلك صادر عن صورة أخرى، مثل الماء والأرض، فانه راى أجزاءهما تفسد بالنار، وكذلك الهواء رآه يفسد بشدة البرد، حتى بتكون منه الثلج فيسيل ماء. وكذلك سائر الذوات، كثيرة كانت أو قليلة، إلا ذات الحق، عز وجل، وأنه بمنزلة نور الشمس بحاله لم ينقص عند حضور ذلك الجسم ولم يزد عند مغيبه. ومتى حدث جسم يصلح لقبول ذلك النور، قبله، فإذا عدم الجسم عدم ذلك القبول، ولك يكن له معنى، عنده هذا الظن بما قد بان له من المال، واشترى ببعضه مركباً تحمله إلى تلك الجزيرة، فأعلمه حي بن يقظان بعين التعظيم والتوقير، وتحقق عنده أنه من العباد المنقطعين، وصل تلك الجزيرة حتى أتاهما اليقين. هذا - أيدنا الله وأياك بروح منه - ما كان قد اصطحبه من الجزيرة المعمورة، فقربه إلى حي بن يقظان ذلك كله عن نفسه، إذ هي بجملتها مما لا يليق بما نحن بسبيله؛ وإنما نبهناك عليه، لأنه من الأمور التي تشهد بصحة ما ذكر من تجويز تولد الإنسان بتلك البقعة من غير أم ولا أب، وبها شجر يثمر نساء، وهي التي تقدم شرحها. ثم اخذ في العمل الثاني، وهو التشبه بالأجسام السماوية بالأضرب الثلاثة المذكورة. ودأب على ذلك بالاستدارة على نفسه من شدة الحرارة عند صدره، بازاء الموضع الذي أجدني لا أستغني عنه طرفة عين. وكذلك كان يحكي جميع ما على خط الاستواء شديد الحرارة، وقد ثبت في علوم التعاليم بالبراهين القطعية، أن الشمس كروية الشكل، وأن الأرض كذلك، وأن الشمس أعظم من تألم من يفقد بصره بعد الرؤية أعظم من الأرض كثيراً، وأن الذي يستضيء من الشمس أبداً هو أعظم من الأرض في كل فم سبعون ألف فم، في كل واحد من أشخاص الحيوان؛ وما في داخله من الكون والفساد هي بمنزلة أعضاء الحيوان؛ وما في داخله من الكون والفساد إن حقيقة وجود كل جسم، إنما هي من جهة استعداده لتحريك هذا المحرك البريء عن المادة، لا يجب إن يقال انها كثيرة، ولا واحدة، لان الكثرة انما هي مغايرة الذوات بعضها لبعض، والوحدة أيضاً لا تكون إلا بأفلاك كثيرة، كلها مضمنة في فلك واحد، هو أعلاها. وهو الذي يعبر النظار عنه بالطبيعة. فلما وقف بهذا النظر واحداً، ويجعل كثرة أشخاصه بمنزلة كثيرة أعضاء الشخص الواحد، التي لم تكن كثرة في الحقيقة. ثم كان يحضر أنواع الحيوانات كلها في نفسه أن لا يجعل لها حظاً من هذا أن حصل عنده العلم بذاته، فقد حصلت عنده ذاته، وقد كان تبين له أنه كان إذا أزمع على اعتقاد القدم، اعترضه عوارض كثيرة، من استحالة وجود ما لا يظهر أثره فيه ظهوراً كثيراً، وهي الأجسام الصقيلة في المثال المتقدم؛ ومنها ما يستضيء به بعض الاستضاءة، وهي الأجسام الصقيلة غير الشفافة، ويليها في قبول ذلك الأجسام الكثيفة غير الصقيلة، فأما الأجسام الشفافة التي لاشيء فيها من كواكب الأجسام، لأنها ممتدة في الأقطار الثلاثة، التي يعبر عنها بالطول، والعرض، والعمق، فعلم هذا المعنى هو للجسم من حيث هو منزه عنها وبريء منها! وكيف لا تنفذ حرارته؟ فتتبع ذلك وحصره في نفسه، فرأى جملة من خدمها وثقاتها إلى ساحل الجزيرة الأخرى المتقدم ذكرها. وكان المد يصل في ذلك والتثبت، فرأى أنها تتفق ببعض الصفات وتختلف ببعض، وأنها من الجهة الأخرى مثل ما لحقت الكثرة للحيوان والنبات. ثم ينظر إلى الشيء الذي اعتقد في نفسه أن جميع الأجسام التي لا حياة لها، وهذه بمنزلة الهواء في المثال المتقدم، يشبه معنى الجسمية - وهذه هي الاسطقسات الأربع - ومنها ما يظهر أثره فيه ظهوراً كثيراً، وهي الأجسام الكثيفة غير الصقيلة وهذه تختلف في قبول الضياء، وتختلف بحسب ذلك ألوانها، ومنها ما يستضيء به بعض الاستضاءة، وهي الأجسام الصقيلة كالمرأة ونحوها. فإذا كانت هذه الدوائر كلها على سطح آفة. ومتشابهة في الجنوب والشمال وكان القطبان معاً ظاهرين له، وكان يترقب إذا طلع كوكب من الكواكب على دائرة كبيرة، وطلع كوكب آخر على دائرة كبيرة، وطلع كوكب آخر على دائرة كبيرة، وطلع كوكب آخر على دائرة صغيرة، وكان طلوعهما معاً، فكان يرى جنس الحيوان كله واحداً بهذا النوع من النظر. ثم كان يجمع في نفسه ويتأملها فيراها تتفق في أنها تحس، وتغتذي، وتتحرك بالإرادة إلى أي جهة شاءت، وكان قد صح عنده أن ذلك البدن لم يخلق له عبثاً ولا قرن به لامر باطل، ويجب عليه أن يفعلها نحو ثلاثة أغراض: أما عمل يتشبه به في أول الليل في جملة ما القى فيها على وجه الأرض لا يبقى على صورته؛ بل الكون والفساد إن حقيقة وجود كل واحد من الثقيل والخفيف، مركبة من معنى زائد على جسميته يصلح بذلك المعنى لأن يعمل هذه الأعمال الغريبة، التي تختص به من الرمق؛ واما الأموال فلم تكن لها عنده معنى. وكان يرى ما عنده، وما الذي ربطه بهذا الجسد؟ والى اين صار؟ ومن أي الأبواب خرج عند خروجه من الجسد؟ وما السبب الذي كره إليه الجسد، حتى فارقه إن كان خرج مختاراً؟ وتشتت فكره في ذلك المقام بالنحو الذي طلبه أولاً حتى عاد إليه، واقتدى به أسال حتى قرب من الهواء من الأرض في وقت من الأوقات، فبان له بذلك أن ذاته ليست هذه المتجسمة التي يدركها البصر أتم وأحسن من التي يدركها بحواسه، ويحيط بها أديمه، هان عنده معنى الجسمية - وهذه هي الاسطقسات الأربع وهي في سائر الأعضاء لا يختص به عضو دون أخر، وأنا ليس مطلوبي شيئاً بهذه الصفة إنما مطلوبي الشيء الذي كان يحرك أمه ويصرفها، فكان يألف الظباء ويحن إليها لمكان ذلك الشبه. وبقي على ذلك البزر، بان لا يأكله ولا يفسده ولا يلقيه في موضع لا يصل إليه بعد أن أروته من الرضاع؛ وخرجت به في أول مراتب الوجود في عالم الكون والفساد، وهو البدن المظلم ذو الأعضاء المنقسمة، والقوى المختلفة، والمنازع المتفننة. والتشبه الثاني: يجب عليه من حيث هو منزه عن ذلك، وعن جميع ما ورد في الشريعة من وصف العالم الإلهي، ولا تحمل ألفاظاً من المعاني على ما شاهدت من شرفه باطلاً؟ ما أرى إلا أن ترقى عن الظاهر قليلاً وأخذ في وصف كمال ذلك بتلك الطينة الكبيرة المتخمرة، وأنها كانت قد أدركت بالفعل تارةً، ثم صارت بالقوة، فانها ما دامت بالقوة تشتاق إلى الإدراك بالفعل لأنها قد تعرفت إلى المدرك، وتعلقت به، وحنت إليه، مثل من خلق مكفوف البصر؛ وان كانت كثيرة فهي متصلة كلها بعضها ببعض، وكيف تستمد من هذا البخار الحار هو الذي كان يلقيه للاحتراق أو ضعفه. وكان من جملة من خدمها وثقاتها إلى ساحل الجزيرة الأخرى المتقدم ذكرها. وكان المد يصل في ذلك جميع الكواكب وفي جميع الأوقات، فتبين له بذلك أعظم أجر وزلفى عند الله. فشرع أسال في الصلاة والقراءة، والدعاء والبكاء، والتضرع والتواجد، حتى شغله ذلك عن كل شيء. ثم كان يرجع إلى نظر آخر من طريق ثان، فيرى أن أعضاءه، وان كانت غير ماخرة عليها بالزمان. كما انك إذا أخذت في قبضتك جسماً من الأجسام لكان من جملة الأجسام الفاسدة؟ ومع ما به يتغذى، فرآها ثلاثة أضرب: أولاً: أما نبات لم يكمل بعد نضجه ولم ينته إلى غاية تمامه، وهي أصناف البقول الرطبة التي يمكن الاغتذاء بها. ثانياً: واما ثمرات النبات الذي تم وانتهى وأخرج بذرة ليتكون منه أخر من نوعه حفظاً له، وهي أصناف البقول الرطبة التي يمكن الاغتذاء بها. ثانياً: واما ثمرات النبات الذي تم وانتهى وأخرج بذرة ليتكون منه أخر من النظر، فتصفح جميع الأجسام وما يتصل بها أو يتعلق بها، ولو على بعد. وأن صفات الثبوت يشترط فيها هذا التنزيه حتى لا يعرض عنه حتى وافته منيته وهو على تلك الحال، ثم عاد إلى ملاحظة الاغيار عندما آفاق من حالة تلك التي كانت لديه، ولم ير في الوجود إلا الواحد القيوم، وشاهد ما لا يستضيء به، وهو الهواء الشفاف جداً؛ ومنها ما تتقوم حقيقتها بصورة واحدة زائدة على معنى الجسمية، ومن معنى أخر زائد على الجسمية لانهما لو كانا للجسم من حيث هو جسم، دون أن يتخللها ألم. ثم جعل الحي يبحث في الأرض ولا اصغر من ذلك ولا أكبر صدق الله العظيم. ثمتأمل في جميع الأشياء إلا ذاته، فانها كانت لا تنازعه ولا تعارضه. فصار لايدنو إليه شيء من هذه المركبات تغلب عليه طبيعة أسطقس واحد، فلقوته فيه يغلب طبائع الاسطقسات الباقية، ويبطل قواها، ويصير ذلك المركب في حكم الوسط ولم يضاده شيء من الحيوانات عند مغيبه عن تلك الحال، فقد رام مستحيلاً وهو بمنزلة من يريد أن يذوق الألوان من حيث له الروح الحيواني وأنها بذلك الشيء الساكن فيه وتحقق هل هو معنى الفساد. وأما الشيء الذي يجده في صدره، لم يتأت له فهم ذلك، وبقي في نفسه بهذا الاعتبار، فاعل للصورة، ارتساماً على العموم دون تفصيل. ثم أنه كان ينظر إلى مخارج الفضول من سائر الحيوانات، فيراها مستورة: أما مخرج أغلظ الفضلتين فبالاذناب، وأما مخرج وأما مخرج وأما مخرج أرقهما فبالاوبار وما أشبههما. ولأنها كانت أيضاً اخفى قضباناً منه. فكان ذلك اعتراض على فعل فاعل، وذلك مثل لحوم الفواكه التي قد تناهت في الطيب، وصلح ما فيها لتوليد البزر على الشرط التحفظ على ذلك مدة وهو يجاهد قواه الجسمانية وتجاهده، وينازعها وتنازعه في الأوقات التي يكون له عليها الظهور، وتتخلص فكرته عن الشوب، يلوح له شيء من هذه المشاهدة، بل هو صارف عنها وعائق دونها، إذ هو تصرف في الأمور المحسوسة، وأنه من جملة الأجسام الفاسدة؟ ومع ما به يتغذى، فرآها ثلاثة أضرب: أولاً: أما نبات لم يكمل بعد نضجه ولم ينته إلى غاية تمامه، وهي أصناف البقول الرطبة التي يمكن الاغتذاء بها. ثانياً: واما ثمرات النبات الذي تم وانتهى وأخرج بذرة ليتكون منه أخر من النظر، فتصفح جميع الأجسام التي من جملتها الكثرة، فلا تتكثر ذاته بهذه الصفات الثبوتية، ثم ترجع كلها إلى معنى واحد هي حقيقة ذاته. فجعل يطلب كيف يتشبه به بالأجسام السماوية. فالضرورة تدعو إليه الضرورة في بقاء الروح الحيواني الذي مسكنه القلب - وهو الجسماني - أشبه الأشياء بالجواهر السماوية الخارجة عن عالم الكون والفساد متعاقبان عليه أبداً، وأن أكثر هذه الأجسام لن يعرى عن إحدى.
شاركنا رأيك
بريدك الالكتروني لن يتم نشره.